ثم قال الحافظ رحمه الله: "وقبول توبة الكافر من كفره من غير تفصيل بين كفر ظاهر أو باطن" وهذا يعني أن الكفار الأصليين إذا تابوا عن الكفر حكم لهم بالإسلام من خلال الظاهر، وهذا رد على من يشترط شرطاً خاصاً في نوع معين من الكفار.
حيث قال بعض العلماء: إذا كان يهودياً وأسلم نقول له: لا نقبل إسلامك حتى تشهد بأن عزيراً ليس هو ابن الله، وأن تشهد أن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
وبعضهم يقول: بل نكتفي بأن ينطق الشهادة ثم يقول: وكفرت بما دون ذلك، للحديث {من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله}، لكن نقول: ليس هذا أيضاً شرطاً؛ لأن الكفر بما يعبد من دون الله تتضمنه شهادة أن لا إله إلا الله، فأول شيء في الشهادة النفي (لا إله)، أي: لا معبود بحق -أبداً- إلا الله، فنفى أولاً ألوهية كل ما عدا الله، ثم قال (إلا الله).
فالأصل أن نشرح له معنى لا إله إلا الله، فإن ظهر لنا بعد حين أو من خلال كلامه أو أثناء تعليمه الإسلام أنه لا يفهم وضع عيسى على الحقيقة، فعندنا نشرح له ذلك، لكن ما دام أنه قال: أنا أريد الإسلام، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فنقبل منه على ظاهره ولا نشترط غير ذلك، ولا نقول: قل: ظاهراً وباطناً؛ لأن هذا الشرط أيضاً لا يثبت إيماناً؛ فلو كان منافقاً فإنه سيقول ذلك مع أن باطنه خلاف ذلك، فالباطن لا يعلم حقيقته إلا الله، فالمهم هو أن نحكم على الناس بالظاهر.
وهنا يذكر قصة عمر رضي الله تعالى عنه التي رواها وقد روى اللالكائي مقولة عمر التي كتب بها إلى بعض قادة المسلمين مثبتاً فيها أنه لو حاصر المسلمون أهل حصن من الحصون، وكان أهل ذلك الحصن لا يعرفون لغة العرب، وهم لا يدرون ماذا يريد المسلمون منهم حتى يدخلوا في دينهم، فقال عمر : [[ لو أن رجلاً أخرج يده من الحصن، ورفع يده إلى السماء، فقد حرم دمه وماله]] لأن هذا الفعل فيه قرينة أو دلالة أو إشارة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فنكف عنهم، فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم هادياً، ولم يبعثه جابياً ولا سفاحاً، والمسلمون لا يريدون القتال لمجرد أنهم يحبون الدماء، وإنما يريدون الهداية للناس.